الأميّة بمعناها المعروف للجميع هي الجهل بالقراءة والكتابة ، وإن كنت أرى لها مفهوماً مختلفاً ، فالأميّ ليس من لا يجيد القراءة والكتابة ولكن هو من يجيدهما ولكن لا يفكر ، وبهذا يصبح مفهوم الأميّة : أميّة الفكر !
حين يصبح ما نتلقاه من معلومات وما يحدث حولنا من مستجدات مجرد عبارات نرددها او نسمعها ولا نفكر بها أو نعقلها فهذه هي الأميّة حقاً .
رغم تعدد المصادر المعلوماتية الآن وسهولة الحصول على الأخبار والمعلومات لكننا نعاني من السطحية في التفكير ، والافتقار إلى الثقافة والمعرفة
ولعل أبرز أسباب هذه الظاهرة هو سوء استخدام مصادر معلوماتنا الحديثة واهمال المصادر القديمة والتي برغم بدائيتها كانت أصدق في توصيل المعلومة للمتلقي من مثيلاتها الحديثة الآن.
يعتمد الجميع الآن كبيراً كان أم صغيراً على التلفاز والانترنت في الحصول على المعرفة وليس بالضرورة للبحث عن معلومة ، وبكل أسف فإن تلك المصادر أصبحت تروج لشئ واحد فقط وهو قضاء أوقات ممتعة دون أدنى فائدة تعود على المشاهد ودون تقديم أي معلومة مفيدة ، بل العكس، جعلت أول اهتمامات العامة أخبار المشاهير وقضاياهم على مختلف ألوانهم وجنسياتهم واعمالهم ، ونسوا أو تناسوا قضايا الأمة العظيمة والمصيرية .
ولهذه الظاهرة آثارها السيئة على الأفراد والمجتمعات والتي يمكن رؤيتها في أساليب الحوار الركيكة والألفاظ الغريبة على لغتنا التي يتداولها طلاب المدارس والجامعات فيما بينهم ، وجهلهم شبه التام بما يحدث حولهم من متغيرات هامة تستحق الدراسة والاهتمام ، وأرى أن تلك السطحية ستؤثر على مستقبل هؤلاء الشباب المهني حيث توقفت عقولهم عند نقطة معينة ولم يتم عمل تحديث لمعلوماتها بل أنه تم تهميش هذه المعلومات وحل محلها اهتمامات لا قيمة لها ، وبالتالي سيتأثر المجتمع ككل حين يشغل كل شاب من هؤلاء منصباً في عمله .. فأين لنا بالتقدم ؟
ادراك الفرد لأهمية رأيه ، وحرية فكره هي نواة التغيير الذي نبحث عنه
ومن هنا يأتي دور كل فرد في المجتمع نحو ذاته ونحو غيره ، ليمنح لنفسه ثقة أكبر ويفسح المجال لعقله للتحرر من أميّته
والاستفاده من كل مصدر متاح للحصول على المعلومة
وبمساعدة المعلم في مدرسته والاب في بيته يتم توجيه الأبناء لاستغلال الوقت فيما يفيد وكما يبني الفرد جسده لابد أن يعطي عقله اهتماماً مماثلاًً لينمو ويكون ملائماً لعمره ..
ولكل جهة مسؤولة في الوطن دور ايضاً في محاربة سطحية التفكير
وتهميش الآراء وذلك
بوضع ضوابط تضمن صحة ما يقدم من معلومات وانتقاء ما يجب ان يصل للشباب وكيفية وطرق وصوله إليهم لضمان تخريج أجيال ذوي عقول راجحة وثقافة عالية ومحو الأميّة بكافة أشكالها من مجتمعاتنا.
*********
تم نشر الموضوع في جريدة الشرق القطرية بتاريخ 29-10-2008